أقوى أنواع تجليات العرفان بالجميل بل وأنبلها على الإطلاق هو العرفان بفضل آبائنا علينا وفضل نعمة تواجدنا تحت كنفهم كأبناء ترعرعوا على حب من أحبوهم وحب ما نُقِل إليهم عبر الجينات أولاً والتربية ثانياً، وقد تكون الأديبة الروائية ابنة العراق الشقيق ” نُهاد السامرائي” هي خير من عبّر عن هذا التجلي بنثر رحلة والدها “واثق السامرائي” حروفاً وكلماتاً على امتداد جزئين من الصفحات العابقة بالأمل والفن والقوة والفرح والحزن، مخلدةً اسمه ضمن أوائل مؤسسي المسرح في دولة الإمارات العربية المتحدة.
مكتبة محمد بن راشد في مدينة الجداف دبي ، هذا الصرح الحضاري الرقمي العظيم بحد ذاته الذي بُني ليدمج رقي الفكر البشري مع خلاصة إنتاجه الإبداعي، كان كالعادة شاهداً على الإنجاز والنجاح والتقدم لكل من يسلك هذا الطريق بصرف النظر عن جنسه وانتماءه وهويته، فلغة الأدب والثقافة واحدة جامعة لا تتجزأ…
بحضور كل من سعادة السفير العراقي مظفر الجبوري، وحضور نائب رئيس مسرح الشباب للفنون الدكتور حبيب غلوم، ونخبة من وسائل الإعلام والأصدقاء والمهتمين، تم أمس الواقع في 1 يونيو توقيع كتاب “رحلة الواثق” بجزئيه الأول والثاني للأديبة “نّهاد السامرائي” ضمن أجواء مليئة بالدعم والتقدير لمسيرة أب ووفاء ابنة، لخصت رحلة اعتزاز وفخر ونضال كان لها واسع الأثر في المجتمع المسرحي والتعليمي داخل الإمارات بلد القادة الداعمين والأبناء البارّين .
السامرائي عبّرت في حديث خاص لمجلة المدار عن مدى سعادتها وغبطتها بالوصول لهذه اللحظة التاريخية من حياتها والتي مكنتها من تخليد اسم والدها كشمعة لا يخبو ضوؤها أبداً، سيما أن رحلته اختلفت عن رحلات أقرانه من المسرحيين والمثقفين والرحالة العراقيين ممن ركبوا البحار إلى مدن بعيدة ومجهولة، كونها تمّت في هذا البلد العظيم وتحديداً تحت رعاية مباركة من راعي الفكر والأدب والمسرح على وجه الخصوص صاحب السمو الشيخ “سلطان بن محمد القاسمي” عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة أطال الله بعمره، فكان دخوله عالم المسرح بدولة الإمارات في عام 1963م، بكل ما تخلله من مسيرة نضال وعمل دؤوب وشغف للارتقاء بالعمل المسرحي دون كلل أو ملل حتى لحظة وفاته، كان بحد ذاته موضع للالتزام والتقدير والوقوف أمام تجربة فريدة لابد أن تُوثَّق مراحلها بكل أمانة.
سعادة السفير العراقي “مظفر الجبوري” أثنى بدوره على هذا العمل الأدبي الراقي الذي وجد فيه التجسد الكامل لمعاني المثل الشعبي الرائج ” من خلف ما مات”، مشيراً إلى استحقاق الراحل “واثق السامرائي” بكل صدق لهذا التكريم كونه إنسان لم يركن للاستسلام تجاه أي صعوبة واجهت طموحه بل على العكس بقي مواظباً مستمراً ليثبت أن طريق النجاح والتطور وإن كَثُرت عثراته، فهو بالنهاية الأبقى والأجدى ليترك بصمة تتعلم منها أجيال.
من جهته الدكتور حبيب غلوم أمين عام “جمعية المسرحيين” ونائب رئيس مسرح الشباب للفنون، أوضح في تصريحه لمجلة المدار بالانطلاق من موقعه كفنان وكمسؤول في المجال نفسه أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تألُ جهداً في دعم الكفاءات الشابة ودعم المواهب المتميزة واستثنائها لتكون مشروع يُبنى عليه فيما بعد، بالتالي فقد كانت دائرة المسرح الإماراتي بكل تفرعاته مكاناً خصباً لاستقطاب المبدعين وتمكينهم، مشيراً إلى أن الجهود دائماً منصبّة على ضمان استدامة عملية التطوير في القطاع المسرحي، ليس فقط كُرمى للطاقات الفنية الجديدة التي ترفد الخشبة المسرحية بشكل متواتر كل يوم أو كُرمى لهذا التطور التقني الهائل الذي يدخل في كل تفاصيل حياتنا فقط ، وإنما كُرمى للجيل العتيق الذي أبى أن يرحل دون أن يترك الغرس الطيب المتين الثابت لمن يخلفه ويأتي من بعده.
لين محمود