أكدت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، شخصية العام الثقافية للدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، سعادتها بالمحبة الكبيرة التي كسبتها من جمهورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنها خلقت علاقة مباشرة بين الكاتب والقارئ.
وقالت: “كسبت الكثير من المحبة، وأتوقع أنني سأخلد في قلوب قرائي، لأنهم سيذكرون أنني أحببتهم بصدق ودون سؤال”. لكنها في الوقت نفسه كشفت عن خسارتها الكثير من الكتب والراحة بسبب العالم الافتراضي، مشيرة إلى أن هذا العالم لم يعد يسمح لها بالكتابة بالنفس الطويل والمتواصل الذي أبدعت به “ذاكرة الجسد”؛ لأن الحياة مع وسائل التواصل أصبحت مختلفة تماماً عما كانت في السابق.
جاء ذلك في لقاء مع الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، أجابت خلاله عن سؤال الجلسة “هل وسائل التواصل تخدم الإبداع أم تغتاله؟”، وحاورتها فيه الإعلامية الدكتورة بروين حبيب.
الإبداع يحتاج إلى نظرة صادقة مع النفس
وفي حديثها عن العلاقة المتشابكة بين الإبداع والخصوصية، تطرقت الروائية أحلام مستغانمي إلى جانب آخر من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتها الأدبية والشخصية؛ إذ أكدت قائلة: “أنشر ما هو في متناول الجميع، وأتحاشى الصور الاستعراضية التي تجعل قارئي يشعر باختلافي عنه، فالقارئ يحب كاتباً بالذات لأنه يشبهه لا لأنه يبهره، ذلك دور النجوم”. وأشارت إلى أن القارئ لا يرى دائماً الصورة بعين الكاتب، مستشهدة بصورة شاركتها من شرفة منزلها بإطلالة على البحر، فرأى القراء في ذلك المنظر محفزاً للإبداع، لترد قائلة: “الكاتب لا يحتاج إلى إطلالة على منظر جميل، بل إلى مكان يطلّ فيه على نفسه، يحتاج إلى نظرة صادقة في أعماق النفس، فأعظم الأعمال الإبداعية كتبت في السجون لأنها تأتي من تأمل الداخل”.
وأضافت مستغانمي أن الكاتب في الماضي كان يحتفظ بمسافة مع قارئه، الذي لم يكن يهتم بالتفاصيل الشخصية، كالوضع المالي أو نمط حياة الكاتب، وهل هو يعيش ما يكتبه أم حياته تخالف كتاباته، مستشهدة برواية “البؤساء” التي لم يتدخل فيها القارئ بحياة فيكتور هوغو الذي كان ثرياً. أما الآن، في زمن وسائل التواصل الاجتماعي فإن القارئ، كما عبّرت مستغانمي، “يتلصص ويتجسس، يريد أن يتأكد إلى أي حد يشبه الكاتب كتاباته” بعد أن أتاحت له وسائل التواصل اختراق خصوصيته، وإمكانية الحكم عليه مع كل منشور.
قرابة الحبر أقوى من قرابة الدم
وتحدثت مستغانمي عن أعظم مسؤولية يتحملها الكاتب، وهي كسب ثقة القراء، مشيرة إلى أنها تزن كلماتها بعناية وتفكر ملياً في خطواتها؛ لأن الثقة التي تُبنى عبر الزمن يمكن أن تُفقد في لحظة واحدة. وأكدت عمق هذا التحدي قائلة: “أصعب شيء أن تكون عند حسن ظن الأموات، فالحي يمكنك أن تعتذر له، لكن من مات وأخطأت في حقه، لا يمكنك تصحيح خطأك معه”. وأضافت: “إن احترام ذكرى الأموات من الكتاب الذين عرفناهم، وعدم استباحة إرثهم هو واجب أخلاقي”.
وتطرقت مستغانمي إلى الجانب الإيجابي من تواجدها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أتاح لها ذلك التعرّف على من تتوجّه إليهم بعد أن كانت تكتب سابقاً لقارئ مجهول، مما جعل “سجلها العائلي” الأدبي يضم الملايين، معتبرة أن “قرابة الحبر أقوى من قرابة الدم”. إلا أن هذا القرب وهذه “القرابة” أوجدت لها واجبات جديدة؛ إذ يستنجد بها بعضهم لمشاركة تفاصيل مؤلمة وشخصية من حياتهم، فهي هنا لتقديم “الإسعافات الأولية” لمن يستنجد بها، برغم العبء النفسي الذي يتركه على حياتها.
مقولات أيقونية تداولها “التواصل”
وأشارت مستغانمي إلى مقولاتها التي أصبحت متداولة على وسائل التواصل، موضحة أنها لم تتعمد إعداد تلك العبارات، بل إنها تكتب بتلقائية ودون تخطيط لأن تصبح جملها “مانشيتات” أو مقولات أيقونية. وقالت: “منذ (ذاكرة الجسد) شرع القراء بأخذ جمل من رواياتي وتحويلها إلى عبارات هي خلاصة فكرة أو تجربة، وهي مقولات تعيش لأنها تشبه القارئ وتلامسه في حقيقته”.
واستشهدت بتجربة الشاعر نزار قباني الذي قال لصديق تعجّب من رؤية ما سطّر من جمل عند قراءته لذاكرة الجسد: “أسطّر الجمل التي كتبتني فيها أحلام”، معتبرةً أن هذه المقولات التي يستخدمها العشاق وأصحاب القضايا هي التي كتبتهم فيها، وهو ما سيمنحها حياة أطول.
أقوالي نسبت لشكسبير!
وتحدثت مستغانمي عن واحدة من أبرز سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتعرض الكاتب لتحريف أقواله أو تنسب إليه أقوال لغيره لم يقلها وصرحت بقولها: “أفضِّل أن تُنسب أقوالي لشخص آخر على أن يُنسب لي ما لم أقله”. واستذكرت مستغانمي في هذا الشأن حادثة طريفة عندما اكتشفت أن إحدى عباراتها عن أزمة المثقف قد نُسبت إلى الأديب الإنجليزي الشهير شكسبير، وهو ما لا يمكن أن يكون لأن موضوع المثقف لم يكن مطروحاً في زمانه. وهذا يبرز مدى التشويش الذي يمكن أن يحدث عبر هذه المنصات؛ لأن معظم القراء يستمدون معلوماتهم من الإنترنت لا من الكتب.
وأوضحت الكاتبة الجزائرية أن هناك من ينسب إليها إعلان الحرب على الرجال، لتتوالى الشائعات ويبدأ البعض بتصديقها، قائلة: “للأسف، العالم الافتراضي ينصب الكمائن للكاتب مستبيحاً حياته كيفما شاء كخبر زواجي خمس مرات. آخرها فتى في سن أولادي، طبعاً لأن الصورة كانت مع ابني وبرغم أني تزوجت مرة واحدة ما زالت الشائعة تصادفني في المواقع”.
الكاتب يختار حساب التاريخ على الحساب المصرفي
وحول نظرتها للفائدة المادية من وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد عدد المتابعين، أكدت مستغانمي أن الاستفادة المادية لم تكن يوماً هاجساً لها، رغم أنها تعيش في “زمن الأرقام” حيث يُستثمر كل شيء. وعبّرت بوضوح قائلة: “لا أترفع عن المكاسب والمال، لكن لكل مكسب مقابل. عليك أن تختاري: هل تقدمين حساباً للتاريخ أم لحسابك المصرفي؟ هل تريدين الخلود أم مكسباً فورياً؟” وأشارت إلى أن بعض الشركات المشهورة قدمت لها عروضاً مغرية، لكنها ككاتبة لا يمكنها أن تساوم على اسمها مقابل عقد أو ربح سريع.
وأضافت مستغانمي: “يقال ليس للمال رائحة، لكنه يفسد رائحة كل شيء، فما بالك حين يختلط بالأدب”. وأوضحت أنها لا تلوم المشاهير والنجوم والإعلاميين الذين يركّزون على اللحظة الحالية، غير معنيين بما سيكتب عنهم، شخصياً يصيبني الرعب من التاريخ، وخسرت الكثير من أجل أن أكسب تاريخي”.
ليس لي أحد بعد الله إلا أنت
وأضافت مستغانمي: “قد أسعد ببعض العروض المالية أحياناً، لكن ضميري أقسى عليّ من أعدائي، فأحاسب نفسي كل يوم وكأنني عدوة نفسي”. وتابعت بأنها موجودة لتمنح جمهورها شيئاً حقيقياً لا لتأخذ منهم شيئاً، وذكرت موقفاً مؤثراً عندما كتبت لها قبل سنوات إحدى المتابعات: “ليس لي بعد الله إلا أنت”. فراحت تسأل عنها وكانت السيدة من غزة، منذ ذلك الحين، شعرت أنها مسؤولة عن الرد والتواصل معها، واستمرت في الوقوف إلى جانبها لسنوات، إيماناً بأن الرسالة الحقيقية تكمن في العطاء الصادق.
وأوضحت أنها مسكونة بالهم العربي، مما جعلها تتابع منصة “إكس” (تويتر سابقاً) أكثر من غيرها، إذ ترى فيها الوسيلة الأسرع والأهم لمتابعة آخر الأخبار، التي تخصّ نبض الواقع العربي، حتى إنها تستيقظ أحياناً ليلاً لترى فيها ما قد يكون قد حدث أثناء نومها. مشيرة إلى أن الهمّ العربي لا يفارقها ككاتبة.